لن نجانب الصواب إذا قلنا بأن المسلسلات والأفلام حقل خصب للتفكير والتأمل وإعادة تركيب المشهد بما ينعكس على حياتنا وكأنها مرآة تعكس ما نمر به ونتصارع معه، وهذا المقال قراءة في مسلسل رجل بمواجهة نحلة “Man vs Bee” من بطولة المبدع روان أتكينسون Rowan Atkinson المعروف ب”مستر بن”.
يجد روان نفسه محطم عائلياً بسبب مشاكل متفاقمة مع طليقته وعلاوة على ذلك علاقته متوترة مع ابنته المراهقة التي وعدها باصطحابها في رحلة ليرمم الهوة بينهما. رجل يعاني من مشاكل كبيرة ومنها التسويف وعدم الالتزام في حياته المهنية التي لم تبتعد كثيراً عن جرف الهاوية، يحاول بطل المسلسل الوقوف على قدميه من جديد وذلك بإلتحاقه في وظيفة حارس أمن لمنزل فخم مزود باحدث التقنيات ومزين باللوحات الفنية والمخطوطات النادرة والأعمال الكلاسيكية التي لاتقدر بثمن، عندما استلم المنزل بعد سفر قاطنيه بدأت الحكاية مع سماعه طنين نحلة في المنزل وبدا بملاحقتها لإخراجها للحديقة ومع كل محاولة لطرد النحلة يتعرض الأثاث والمقتنيات الثمينة للتلف، وكان البطل متحمس لطرد النحلة غير آبه بالخسائر التي تعترض طريقه لتحقيق هذا الهدف الصغير، وبعد كل محاولة يقوم بترميم ماتعرض للتحطيم او القطع من الأثاث واللوحات بطريقة ساذجة وبدائية معتقداً بأن هذه حلول ناجعة ولن تلفت الانتباه، وبما أن الهدف طرد النحلة إنتهى به الحال لتدمير المنزل وحرقه ولم يحقق هدفه بأي شكل من الأشكال.
قد يصدمنا هذا النوع من التصرف، الا أنه يسترد معناه واتساقه إن نظرنا إليه داخل الإطار الفكري لبطل المسلسل الذي اختل ميزان الأولويات لديه.
ترتيب الأولويات
من المحال أن نفهم الصورة بدون أن نفكر في مسألة ترتيب الأولويات فبدلاً من أن يولي اهتماماً أكبر بحماية المنزل أنصب تركيزه على قضية هامشية وبدأ في ملاحقتها “كالنحلة مثلاً” وهي لاتكاد تمس القضية الأساسية بأية ضرر “المحافظة على البيت وحمايته” مما نتج عن ذلك ضرباً من الجنون لدرجة أنه لم يبدو عليه الإكتراث للحال التي وصل لها المنزل، ومن الواضح أن هذا منهج ارتضاه لنفسه في كل مهمة يضطلع بها وكلفه الأمر خسارة فادحة بطلاقه من زوجته وابتعاده عن إبنته لأنه كان ينصاع للأمور التافهة مما أدى لطرده من كل وظيفة يلتحق بها وما حربه ضد النحلة سوى صورة مصغرة من مشاكله.
لاسبيل لعقد مقارنة بين الطرفين “الرجل” و “النحلة” فهي مواجهة غير متكافئة لا في القدرة ولا الحيز المتاح لكل منهم، وكأن كاتب المسلسل يريد أن ينبهنا لمسألة في غاية الأهمية هي أننا نمضي جزء من حياتنا في مطاردة ومصارعة قضايا تافهة وثانوية، مثل: “رآي الناس، محاولة إرضاء الآخرين، نميمة وصلت لمسامعنا، حياة الآخرين..الخ”. ونهمل قضيتنا الاساسية كعنايتنا بذاتنا وسعادتنا، فكلما ابتعدنا عن قضيتنا وقعنا بوحل يستعصي علينا الخروج منه بدون أن نتسخ، فمشكلة القضايا الثانوية أنك عندما تفرغ من قضية تولد بدلاً منها عشرات القضايا، وكأنها تشبه قصة الوحش “هيدرا الليرنية” Lernaean Hydra، حيث تذكر الاسطورة الأغريقية؛ بأن هيدرا مسخ يشبه الأفعى له تسعة رؤوس وكان أحد هذه الرؤوس لايموت، وعندما يقطع رأس من بقية الرؤوس ينمو بدلاً منه رأسين جديدة! وكان القضاء عليها مهمة شاقة تكفل بها البطل هرقل Hreacles الذي فكر بخطة حاسمة وذلك بقطع رؤوسها دفعة واحدة ودفن الرأس الذي لايموت ووضع فوقه حجارة ضخمة وتكفل بحراسته حتى لايعود فوق السطح.
نحتاج بعض الأحيان للخروج من مشكلة الانشغال بما لايهمنا والقضايا الثانوية إلى أن نتبع خطى هرقل، وذلك بأن نقطع التفكير عن ما لا يعنينا ولا يؤثر على حياتنا ونضع فوقها حجر ضخم من القناعة بأننا نستحق الأفضل ولا يمكن أن نهدر طاقتنا في قضايا لاتنعكس علينا إلا بالضرر.