*تنبيه لأصحاب العقول المنطقية، المقالة مليئة بالعبط وعدم الواقعية.
في يوم مُشمس وبديع وبينما الحريشة (أم أربعة وأربعين) تتجول في محيطها وتستمتع بأشعة الشمس التي تلامس جسدها المثير بالاهتمام . واجهها أرنب أبيض اللون، أحمر العينين وقال لها يا صديقتي الحريشة، لطالما كان هنالك سؤال يتبادر إلى ذهني دون جواب منطقي، وأريدك اليوم أن تقتلي فضولي بجوابك. قالت الحريشة ما هو السؤال؟
حوار الأرنب بالحريشة:
الأرنب: لاحظت أنك تملكين عدد أرجل مخيف مهول على عكس بقية الكائنات الأخرى، وهذا شيء جميل، أنا لا أحاول الحكم عليك ولكن كيف تستطيعين أن تقومين بالتحكم في كمية الأرجل التي تملكينها دون عثرات ممكنة؟
الحريشة: امممم .. في الحقيقة أنني مُنذ عرفت نفسي ولم يسبق أن فكرت بهذه القضية، شكرًا لك لهذا السؤال دعني أفكر قليلًا واعلمك التفاصيل.
الأرنب: بكل تأكيد.. في انتظارك.
*بعد مرور يومين
تبحث الحريشة عن الأرنب في كل مكان وهي في حالة سيئة جدًا. تبدو مُتعبة من المشي، ومرهقة من التفكير وتود أن تجد الأرنب اللعين لتتحدث معه. وبعد رحلة بحث مُتعبة جدًا وجدت الأرنب مستلقي على ظهره مسترخيًا وفي حالة مزاجية جيدة.
الحريشة: حسبي الله عليك أيها الأرنب اللعين، فبعد لقائنا الأخير وأنا لم أذق لحظة هانئة، ولا خطوة جيدة، وتحولت حالتي من نعيم إلى الجحيم.
الأرنب: ما الذي حدث؟ كان مجرد سؤال!
الحريشة: لا لم يكن سؤال، كان أشبه بالسُم الذي تلقيته ولم أسلم بعده، فطوال حياتي وأنا أمشي وأستمتع بالحياة وبجسدي دون ملاحظة ولا تفكير. وبعد سؤالك تغيرت حياتي، فأصبحت أتفكر في أرجلي وكيف أتحكم فيها، وبمجرد تفكري لم أعد أستطيع أن اتحكم فيها وأصبحت عالةً عليّ ونقمة. أرجوك هل لي بطلب واحد؟
الأرنب: أكيد بكل تأكيد.. وأنا آسف لم أكن أعلم بعواقب سؤالي البسيط.
الحريشة: لا تسأل أحدًا آخر، فسؤالك أشبه بالسُم الذي بمجرد أن يدخل جسدك لا تستطيع إخراجه. لا تسأل أحدًا أبدًا أرجوووك.
ماذا حدث للحريشة؟
بملاحظة بسيطة جدًا للحياة، يتضح لك تمامًا أن هنالك نظام دقيق جدًا تعمل من خلاله الأشياء بلا زيادة ولا نُقصان. نظام دقيق ولكنه يبدو فوضى لعقولنا البسيطة. الحريشة مُصممة بشكل بديع لتمضي في تناغم دون الحاجة للتفكير في ذلك، وبمجرد التفكير في عملية بدهية كالمشي تلتغي القدرة على الممارسة تمامًا.
عندما تكون حريشة!
لماذا نتحدث بشكل سلس وبليغ أمام أصدقائنا المقربين وبمجرد وقوفنا أمام الحشود نخاف وتختفي القدرة البدهية ؟. لماذا أمهر الجراحين في العالم لا يستطيع ممارسة مهنته عندما يكون المريض شخصٌ يعنيه؟ مالذي يجعلنا نبدو حكيمين عندما تتم استشارتنا في علاقة لشخص ما، ونصبح حمقى بمجرد أن نكون في تلك العلاقة؟
ميكانيكية القلق
أولاً يجب أن نُعرف القلق بشكل دقيق. القلق هو سلسلة من الأفكار التي تدور في حلقة مفرغة لا نهائية دون توقف ولا حاجة منطقي لذلك. نبدو أكثر قلقًا اليوم من أي وقت مضى بسبب كثرة المحتوى الذي نستهلكه يوميًا دون معالجة جيدة له، مانعاني منه اليوم هو تُخمة وإدمان للمحتوى دون القدرة على هضمة بشكل جيد.
كيف يتم هضم المحتوى؟
تهضم الأكل عن طريق المجهود البدني، الوقت، وممكن أن تستخدم مساعدات هضم خارجية. ولكن هضم المحتوى الذهني يتم بطريقة مختلفة. من خلال تجربتي البشرية توصلت لطريقتين لهضم المحتوى أجدها نافعة:
الأول عن طريق الإنتاج. أقصد بالإنتاج هو عملية صناعة تقوم بها تُمثل غالبية ما تستهلكه من محتوى، فلو كنت مُهتم بالمحتوى السياسي أو الاقتصادي إلخ، فيتطلب منك البدء في عملية إنتاج بسيطة سواءً كتابة مقالات، انتاج بودكاست شخصي، عمل فني معين. وتختلف عملية الإنتاج باختلاف المهارات المتاحة والتي تختلف من شخص لآخر. فالأولى أن تحصر نقاط قوتك المهارية، ومن ثم الوصول لوسيط إنتاجي تحاول من خلاله صناعة المحتوى.
الثاني عن طريق التأمل، عندما نستهلك الكثير من المحتوى اليومي من الممكن أن يكون المحتوى مُتنوع ولا يعطينا قدرة جيدة لفهم أو انتاج منتج محدد واضح المعالم والتوجه. هنا يأتي التأمل كممارسة ضرورية لمعالجة ذلك المحتوى بشكل جيد. التأمل أشبه بالأداة التي تُعمق المحتوى في داخلك وتعالجه ويتم بعد ذلك مراجعته وتظهر من ثم تطبيقاته على حياتك الشخصية، سوف تبدو أكثر هدوءً وأقل قلقًا.
يظهر القلق في حياتنا كأحد الأعراض الجانبية للتخمة المعرفية، ونبدو كالحريشة لا نستطيع ممارسة البدهيات ونقف في البدايات ونتستصعب التحديات.
أكثر ما نحتاجه اليوم هو الحكمة لا المعرفة، وتأكد أن العقل لا ينتج الحكمة، ولكن الحكمة نتيجة لمراقبة العقل باستمرار. المراقبة باستمرار تعني أن نكون موضوعيين في رؤيتنا لأنفسنا دون الانغلاق في مركزية العقل. الجراح لا يستطيع أن يُمارس العملية الجراحية لمن يحب لأنه يُصبح غير موضوعي ويرى الأمور من مركزية عاطفية لعقله، ونحن نُصبح حكيمين في استشارتنا بسبب الموضوعية أيضًا.
معادلة النجاة:
تلقي المحتوى: إن صنع معرفة = انتج
تلقي المحتوى: إن لم يصنع معرفة = تأمل