جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2025

هوسنا بالمال
7 آذار
المال والأعمال

هوسنا بالمال

7 آذار

|

المال والأعمال

في حقبة انتصرت فيها المركزية المادية ودافع الربح لأجل الربح واعتناق فكرة أن الكمال هو الوصول إلى الثراء الفاحش. رأينا بأعيننا هذا الأثر المرعب للوصول لهذه المرحلة وعلى الرغم من أننا الآن منزعجون من هذه الأداة وتبعاتها لكن لا غنى عنها أبدًا.

المال ليس كل شيء  

كثيراً ما نسمع هذه العبارة في الأوساط التي نعيشها: المال ليس كل شيء، ولكن في بعض المواقف من الحياة، تثبت لنا الحقيقة بأن المال قد يكون كل شيء. حين يحتاج أب إلى علاج ابنه الذي يقف بين الحياة والموت في انتظار إجراء عملية جراحية، يكون المال كل شيء. حين يتضور أحدنا من الجوع لأيام سيحتاج كسرة من الخبز ليسد بها جوعه، وهلم جرّا.

لنعد للماضي قليلاً ونتساءل: هل كان آباؤنا و أجدادنا يعطون المال اهتمامًا؟ أعني كما نعطيه نحن الآن!

 كان المال قديمًا أداة مهمة ساعدت الناس في تحقيق أهدافهم و لكن لم يكن هدفًا في ذاته ولذاته إلى الدرجة التي نعيشها اليوم. ففي بيئة ما عاش فيها والدي ووالدك لم يكن مالك الأرض ليفكر على الإطلاق في بيع مزرعته مهما كان المبلغ المعروض عليه وفي تلك البيئة كانوا يرون ذلك مشينًا و غير أخلاقي. وإذا ما أكره أحد على البيع بدافع العوز فسيرى نفسه فاشلاً و ذليلاً. بل إن كثيرًا من الأسر إلى الآن توصم بالعار لبيعها أراضيها على الرغم من تطور المدنية بالشكل الحالي. إن المزعج والمخيف في الأمر هو تحول المال من كونه وسيلة إلى غاية.

اخترعت البشرية دافع الربح 

لم يكن دافع الربح دافعاً بشرياً أصيلاً، كان ما يحركنا هو الجشع ورغبة ملحّة في أعماقنا لتكديس القوة والذهب والأعمال والاصدقاء والأرض، ولكن الربح يختلف تمامًا. أصبحنا نستهدف الربح للربح و الشركة التي لا تحقق نمواً متزايداً عامًا إثر عام ينظر لها المستثمرون بنظرة متشائمة. إذن، الحقيقة أننا نلهث دائمًا وراء الأرباح المتعاظمة.

نشأة الدين 

لطالما أوجد الناس الديون، فحين يقدم جار يد العون إلى جاره في وقت الحاجة ويعبّر الأخير عن شكره قائلاً: أدين لك بخدمة. إنهما يقران على مديونية أحدهما للآخر دون الاضطرار إلى توقيع عقد.  لكن هذا النوع من التضامن يختلف عن الدين كما نفهمه اليوم من ناحيتين: العقد والفائدة. أخدمك اليوم على أن تساعدني غدًا وعلى أن تقدم لي شيئا إضافيًا على الذي قدمته لك وعادة ما يكون مالاً أكثر. وهنا غلب على هذا النوع من التضامن الجشع في المزيد أيضًا.

التحول العظيم 

كان النبلاء في العصر القديم من المجتمع الأوروبي يقومون بتشغيل المزارعين في أراضيهم وفي موسم الحصاد، فيقومون بأخذ أغلبية المنتوج و يبقى لهم جزء بسيط يعيشون به. يقوم النبيل ببيع ما يزيد عن حاجته ويزداد ثراء عن طريق شراء المزيد من الأراضي. وعندما حصل الانقلاب الكبير وتم تسليع كل من الأرض و العمال. قام النبلاء بطرد المزارعين و تأجيرها مرة أخرى على المزارعين و لكن من أين يملك هؤلاء المزارعون المال لاستئجار الأرض ودفع الرواتب للعمال وشراء بذور الزراعة ؟ 

هنا كانت نقطة التحول العظيم ، كان على المزارع أن يقترض. العجيب هنا من سوف يقرضه المال ؟ إنه النبيل ذاته في معظم الأحيان، أو المرابون المحليون الذين يفرضون عليه دفع الفائدة. وهنا حصل التحول في كون الدين عاملًا رئيسيًا في الإنتاج. وتحول الربح إلى غاية في ذاته. 

اقترض أكثر تربح أكثر 

بعد أن قام المزارعون بالاقتراض لاستئجار الأراضي وبدء الإنتاج، وجدوا أنهم لو استطاعوا الاقتراض أكثر لتوظيف التكنولوجيا في عملية الزراعة ستزيد العملية الإنتاجية، وتعمق لديهم مفهوم أن الاقتراض أكثر يؤدي إلى الربح الأعظم. ولكنه كان كذلك طريقة أسرع للخراب إذا ساءت الأمور و أصبح الدين يغذي كل الثروات.

في سياقنا المحلي يمثل الدين بالنسبة إلى مجتمعات السوق حالة مزعجة ولكن لا غنى عنها. 

الصالح العام هو المنقذ 

أشار الاقتصادي لوكس في مقال سابق إلى فكرة “فشل التجربة الحديثة” ذكر فيه أن استبدال دافع الربح لا يتطلب تغييرًا في الطبيعة البشرية، بل يتطلب استعادة الطبيعة البشرية. وفي هذه الاستعادة، سيتم استبدال دافع الربح إلى الاهتمام بالصالح العام. وعلى هذا يتضح أن المبدأ التحفيزي للصالح العام يمكن ترسيخه من خلال سياستين: الحد الأقصى للأجور الذي يمثل نسبة الحد الأدنى للأجور، والتحول القانوني لجميع الشركات إلى غير ربحية. إذن: سيكون لدينا: الصالح العام ← غير ربحي ← استدامة.

3
0
اشتراك
تنبيه
guest

0 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

فِلتر هذا العصر
10 أيلول

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 5 دقائق
الآنسة أرق
25 أيلول

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 6 دقائق
معنى أن تكون كبيرًا
7 أيار

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 4 دقائق

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً