عالم الحيوان يعج بالغرائب التي لاتخطر على بال،
وقد شكل عالم الحيوان مصدر مهم اشتق منه الإنسان ممارساته وتجاربه، فالرماح والسكاكين هي محاكاة لأنياب السنوريات المفترسة، وحلم الإنسان بالتحليق بالسماء تحقق في نهاية المطاف.
إلا أن ما لفت نظري وكان سبب للدهشة هو سلوك طائر الواقواق؛ فيشير مقال “?Alsia Harvey “How do cuckoos trick other birds؛ بأن انثى الواقواق تقوم بخدعة لاتصدق، فهي تراقب أعشاش الطيور التي بها بيض وعندما ترى أحد الاعشاش بدون حماية تذهب مسرعة وتضع بيضتها بين البيض وتتخلص من إحدى البيضات للتمويه ولكي لاتثير شك الطير “المضيف/الضحية”، وتهرب قبل أن يلاحظها الطائر صاحب العش.
وعندما يعود الطائر الضحية الذي اعتدي على عشه يقوم بالاعتناء بالبيض ومن ضمنها بيضة الواقواق، وغالباً ما يقفس بيض الواقواق قبل البيض الآخر؛ لأن أنثى الواقواق لاترسل بيضتها إلى في وقت اقتراب خروج فرخها، بل رصد بعض الخبراء أن انثى الواقواق تقوم بتمويه بيضها ليصبح مشابه لبيض الطائر الضحية.
المفاجئة أن فرخ الواقواق عندما يفقس يقوم فوراً بالتخلص من البيض والفروخ الأخرى صاحبة العش ليحصل على النصيب الوافر من الغذاء الذي يجلبه الطائر صاحب العش!، هذه الحيلة حسب ماذكر مراقبين غالباً ما تنطلي على الطير الضحية، إلا أن بعض الطيور تلاحظ بأن فرخ الواقواق أكبر من حجم الطير صاحب العش ويقوم الأخير بالتخلص من فرخ الواقواق.
هذا النمط الإنتهازي لم اتوقع في يوم من الأيام بأنه موجود في عالم الحيوان بهذه الصورة فهو أقرب لتصرفات بعض البشر.
إن الإنسان يقف حائر أمام تصرفات الحيوانات والطيور، فالحياة في البرية تقوم على التشارك والهرمية، وبدأت استرجع مشهد لتمساح يستريح على جنب أحد الانهار والطيور تنظف فكه من بقايا الطعام، وعندما بحثت عن صنف هذه الطيور تفاجئة بأن طائر الواقواق من ضمن الخُدام الذين يتسابقون على أسنان التماسيح ويعيش على فضلاته!؛ في نفس الوقت الذي تعيش فراخه حياة التطفل على عش طائر أخر.
بعد قراءة المقال!
شرعت في التفكير بفروخ الواقواق التي تسكن عشي، فبعضها قد يكون فكرة تسللت إلى عقلي كما تسللت انثى الواقواق ووضعت بيضتها؛ وبعد أن فقست هذه البيضة “الفكرة” حتى بدأت تضايق الأفكار الآخرى وتطردها ليبقى لها النصيب الأكبر من تفكيري.
فتذكرت أن فكرة “الكمال” التي عششت ردح من الزمن بعقلي اثناء الدراسة العليا، تسببت لي في الكثير من المتاعب حتى قيض الله لي صديق وفي ساعدني بكنسها من عقلي والنهوض بسرعة لأستعيد لياقتي التي كنت عليها قبل أن يصل “الكمال” لعشّي.
ولا زلت أتذكر!
الشروط القاسية التي كنت أكبل بها نفسي وأمزّق صفحات بذلت فيها جهد كبير بحجة أنها سطحية ولاتستحق التأمل!
ومن عالم الأفكار أنتقلت للبحث عن فروخ الواقواق في الحياة الإجتماعية وبدأت المشاهد تصعد لذهني لصداقات تضعضعت بعد أن دخل فيها أشخاص تصرفاتهم مطابقة تماماً لفروخ الواقواق؛ بل إنهم سادة الواقواقية ورعاتها. فكم من صداقات وعلاقات تصدعت بسبب أشخاص كالإسفين عندما يطرقون صخر يفلقونها بلا رجعة.
والباب مشرع للبحث عن فروخ الواقواق في كل زوايا الحياة!
ليست المشكلة في فروخ الواقواق بل في صاحب العش، فعندما تبتلعنا سرعة الحياة ولانتوقف للتأمل في حياتنا وعلاقاتنا مع أنفسنا والناس ونتحدث لذواتنا فهذا الوقت مناسب جداً لتتسلل إنثى الواقواق وتضع بيضتها في حياتك وتحولها لجحيم، جهدك ووقتك يذهب سدى لانك تعتني بعدو غريب يبتلع كل ما تلقيه له من جهد ووقت وعواطف ولايشبع بل يطلب المزيد، وعندما يشتد عوده يتركك محطم أو فاضي الوفاق في أحسن الأحوال.
فروخ الواقواق تشبه الكثير من العلل في حياتنا،
تتسلل خفية ولانميزها وتبدأ باستهلاكنا وتمتص طاقتنا حتى أخر رمق، ولعلنا نقع في خديعة أكبر عندما نظن بأن هذه الفراخ تنتمي لنا ونغدق عليها بسخاء بدون أن نتفحصها لنكتشف أنها لاتشبهنا ولانشبهها.