جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2025

الإيثار‎ ‎الفعّال:‎ ‎كيف‎ ‎تبلغ‎ ‎عاطفتنا‎ ‎المعطاءة‎ ‎أقصاها
28 آذار
النفس والعاطفة

الإيثار‎ ‎الفعّال:‎ ‎كيف‎ ‎تبلغ‎ ‎عاطفتنا‎ ‎المعطاءة‎ ‎أقصاها

28 آذار

|

النفس والعاطفة

هل نحن مدفوعون بالدرجة الأولى في أفعالنا وعطاءاتنا تجاه استجاباتنا العاطفية وحاجاتنا الفطرية؟

هل من شيء يدفعنا لأن تكون عطاءاتنا في نطاق أبعد من مصالحنا أو مصالح أحبائنا لتصل إلى مصالح الغرباء والأجيال القادمة؟

هل نُعمِل قدراتنا العقلية بما يكفي لتوجيه عواطفنا وعطاءاتنا؟ أم أن أقصى ما نفعله عادةً هو استخدام عقلنا كغلافٍ تبريري لعواطفنا المعطاءة؟

تساؤلات يتلقَّفها الإيثار الفعال Effective Altruism باعتباره حركة اجتماعية، وفلسفة في ذات الوقت. تحمل على عاتقها فكرة أن (الإيثار) وجعل العالم مكانًا أفضل يجب أن يكون أحد أهداف الحياة لكي نثري بإيثارنا معنى حياتنا، لكن دون إغفال ضرورة أن نحقق –بشكل مدروس- الإفادة القصوى من ذلك العطاءِ والإيثار، بأن يكون (فعالًا) في حياة الآخرين لأقصى ما يمكن.

لا تعتمد فكرة الإيثار الفعال على أن نكون مكرسين للبذل والعطاء، إذ يستحيل أن يكرس الناس أنفسهم لقضايا الخير لدرجة أن يتخلوا عن كل المتع في حياتهم إلا في حالات نادرة جدًّا، ومعظم من حاول العيش بهذه الطريقة لم يدم على ذلك طويلًا. إذ لا بد أن تخور قواه، بل ويكون تأثيره أقل مما لو استرخى قليلًا! وهذا ما يدعو إلى تبني رؤية من قبيل الإيثار الفعال وما يشبهها؛ لتكون جهودنا المحدودة بأكبر فائدة.

الاستفادة القصوى مما تم إنفاقه، يحققها الكثير منا عند شراء سلعةٍ ذات أهمية حيث يقارن بين أنواعها ليشتري السلعة التي تستحق سعرها، ولكن القليل من الناس من يفعلون ذلك عند التبرع بالأعمال الخيرية على أهميتها الكبيرة، إذ يتبرعون بأموالهم وفق عواطفهم دون أن يسائلوا مقدار الفائدة التي سيحققها تبرعهم. مع أن الأبحاث تظهر أن أفضل المؤسسات الخيرية قد تفعل بالتبرعات مئة ضعف ما تفعله المؤسسة الخيرية العادية!

العاطفة المعقلنة

ومن هنا تلعبُ العاطفة المعقلنة دورها المهم ليكون الإيثار فعالًا؛ فالمؤثرُ الفعال لا يعتمد على العاطفة الغامرة ليتصرف، بل يلعب التقمص العاطفي بشقيه المعرفي والعاطفي دوره في تصرفاته. حيث يعرف التقمص العاطفي بأنه “القدرة على (الفهم) و(الإحساس) بما يشعر به الآخرون”. وحين تكون العاطفة غير المعقلنة هي المتسيدة في الموقف؛ ستؤدي إلى نتائج عكسية كما وجدنا فيما أوردته الدراسات.

طفلة واحدة أو ثماني أطفال

في دراسة طريفة عرضت صورة طفلة مرفقًا معها اسمها وعمرها على مجموعة من المشاركين وأُخبِروا أن الطفلة بحاجة إلى دواء باهض تبلغ تكلفته ثلاثمائة ألف دولار من أجل إنقاذ حياتها، في المقابل عُرض على مجموعة أخرى من المشاركين صور 8 أطفال مع ذكر جميع معلوماتهم وتكلفة علاجهم جميعهم بنفس المبلغ الذي تحتاجه الطفلة. بعد أن طُلب من المجموعتين التبرع كانت النتيجة أن المشاركين الذين عرضت عليهم صورة الطفلة الواحدة تبرعوا بأكثر مما تبرع به من عُرضت عليهم صور 8 أطفال! ويظهر هنا كيف أن مجرد العاطفة والنوايا الحسنة ساعدت طفلة واحدة أكثر ممّا ساعدت الأرواح الثمانية.

أمنية طفل مصاب بالسرطان

في عام 2013، تجمع أكثر من عشرين ألف شخص في سان فرانسسكو ليروا الطفل مايلز سكوت ذا الخمس سنوات وهو يجوب المدينة مرتديا زي باتمان في سيارة برفقة ممثل معه يرتدي ذات الزي. كانت هذه أمنية سكوت الطفل المصاب بسرطان الدم التي حققتها جمعية Make a Wish محولةً حلم الطفل إلى واقع يشعر كل من شاهده بمشاعر دافئة. لكن ماذا إذا علمنا أن متوسط تحقيق أمنيات الأطفال في جمعية Make a Wish يعادل 7500 دولار!

 في حال كنت مؤْثِرًا فعَّالًا، ستبحث عمن يحتاج بشكل مُلح لهذا المبلغ، وستؤثر أن يُدفع هذا المبلغ لإنقاذ حياة آخرين يستحقون منك أيضًا عاطفة غامرة لإنقاذ حياتهم، مثل دفع المبلغ على علاج 3 أطفال من الملاريا. بنفس تلك العاطفة الغامرة، لو كان والدا الطفل سكوت مخيرين بين أن يلبس ابنهما الزي ليوم واحد أو أن يشفى من مرضه لاختارا أن يشفى بالتأكيد، ولو خُيّرا من هذا المنطلق بين استخدام التبرعات في إنقاذ حياة 3 أطفال أو تحقيق أمنية ابنهما لاختارا إنقاذهم.

في كل موقف يحتاجنا فيه أحد في هذا العالم، سيكون بين أن نميل في غمرة عاطفة، وبين أن نحيد في جفوة تعقل، أن ننصف، فنستعمل تقمصنا العاطفي رداءً نكسوه كل من يستحق إيثارنا. الإيثار الفعال يعني أن تجمع بين القلب والعقل، أن يتعاطف قلبك، وأن يعمل عقلك للتحقق من أن عاطفتك أعطت أقصى جدواها في هذا الوجود!

2
0
اشتراك
تنبيه
guest

1 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

لماذا نرتبط بأوطاننا؟
17 تشرين الأول

|

السفر
وقت القراءة: 6 دقائق
عزاء الحكايات الصوفية لإنسان اليوم
17 شباط

|

الروحانيات
وقت القراءة: 4 دقائق
لماذا نلتقط الصور؟
25 آب

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 6 دقائق

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً